الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
قال أبو محمد رحمه الله : لَمْ يَصِفْ اللَّهُ تَعَالَى حَدًّا مِنْ الْعُقُوبَةِ مَحْدُودًا لاَ يَتَجَاوَزُ فِي النَّفْسِ , أَوْ الأَعْضَاءِ , أَوْ الْبَشَرَةِ , إِلاَّ فِي سَبْعَةِ أَشْيَاءَ : وَهِيَ : الْمُحَارَبَةُ , وَالرِّدَّةُ , وَالزِّنَى , وَالْقَذْفُ بِالزِّنَى , وَالسَّرِقَةُ , وَجَحْدُ الْعَارِيَّةِ , وَتَنَاوُلُ الْخَمْرِ فِي شُرْبٍ أَوْ أَكْلٍ فَقَطْ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَلاَ حَدَّ لِلَّهِ تَعَالَى مَحْدُودًا فِيهِ ، وَلاَ حَوْلَ ، وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاَللَّهِ. وَنَحْنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ ذَاكِرُونَ مَا فِيهِ الْحُدُودُ مِمَّا ذَكَرْنَا بَابًا بَابًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ثُمَّ نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَشْيَاءَ لاَ حَدَّ فِيهَا ,. وَادَّعَى قَوْمٌ : أَنَّ فِيهَا حُدُودًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. ثُمَّ نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَبْلَ ذَلِكَ أَبْوَابًا تَدْخُلُ فِي جَمِيعِ الْحُدُودِ , أَوْ فِي أَكْثَرِهَا , فَإِنَّ جَمْعَهَا فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ أَوْلَى مِنْ تَكْرَارِهَا فِي كُلِّ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْحُدُودِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهُوَ أَيْضًا حَصْرُهَا لِمَنْ يَطْلُبُهَا , وَأَبْيَنُ لأَجْتِمَاعِهَا فِي مَكَان وَاحِدٍ , إذْ لَيْسَ كِتَابٌ مِنْ كُتُبِ الْحُدُودِ أَوْلَى بِهَذِهِ الأَبْوَابِ مِنْ سَائِرِ كُتُبِ الْحُدُودِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهِيَ : الْحَدِيثُ الْوَارِدُ لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ مَعَ سَائِرِ مَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ الْخَمْرِ , وَالسَّرِقَةِ , وَالنُّهْبَةِ. وَهَلْ تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ أَمْ لاَ. وَهَلْ الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ أَمْ لاَ. وَاجْتِمَاعُ الْحُدُودِ مَعَ الْقَتْلِ , وَالتَّوْكِيلِ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ وَهَلْ تُقَامُ الْحُدُودُ بِعِلْمِ الْحَاكِمِ أَمْ لاَ وَالسِّجْنُ فِي التُّهْمَةِ , وَالأَمْتِحَانُ بِالضَّرْبِ , وَالأَعْتِرَافُ بِالْإِكْرَاهِ , وَمَا الْإِكْرَاهُ وَالأَسْتِتَابَةُ فِي الْحُدُودِ وَمَتَى يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْجَارِيَةِ وَالْغُلاَمِ وَاعْتِرَافُ الْعَبْدِ بِالْحَدِّ , وَالشَّهَادَةُ فِي الْحُدُودِ , وَالتَّأْجِيلُ فِي الْحَدِّ وَالتَّعَافِي فِي الْحُدُودِ قَبْلَ بُلُوغِهَا إلَى السُّلْطَانِ وَالتَّرْغِيبُ فِي إمَامَةِ مَنْ قَالَ : لاَ يُؤَاخِذُ اللَّهُ عَبْدًا بِأَوَّلِ ذَنْبٍ ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ الرُّجُوعُ عَنْ الأَعْتِرَافِ بِالْحَدِّ الأَعْتِرَاضُ عَلَى الْحَاكِمِ فِي حُكْمِهِ بِالْحَدِّ , هَلْ يُكْشَفُ وَيَسْأَلُ مَنْ ذُكِرَ عَنْهُ حَدٌّ أَمْ لاَ هَلْ تُقَامُ الْحُدُودُ عَلَى الْكُفَّارِ أَمْ لاَ كَيْفَ حَدُّ الْعَبْدِ مِنْ حَدِّ الْحُرِّ كَيْفَ حَدُّ الْمُكَاتَبِ لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا قال أبو محمد رحمه الله : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ التُّجِيبِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : سَمِعْت أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَقُولاَنِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى , ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ , قَالَ ابْنُ رَافِعٍ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى : أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ , ثُمَّ اتَّفَقَ شُعْبَةُ , وَسُفْيَانُ كِلاَهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ الأَعْمَشُ عَنْ ذَكْوَانَ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَالَ : لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ هَذَا لَفْظُ شُعْبَةَ. وَقَالَ سُفْيَانُ فِي حَدِيثِهِ , رَفَعَهُ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّلْمَنْكِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُفَرِّجٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّقِّيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنُ هَيَّاجٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْقَيْسِيُّ ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ عَطَاءٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ يَقْتُلُ الْقَاتِلُ حِينَ يَقْتُلُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَلاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَلاَ يَخْتَلِسُ خِلْسَةً وَهُوَ مُؤْمِنٌ , يُخْلَعُ مِنْهُ الْإِيمَانُ كَمَا يُخْلَعُ مِنْهُ سِرْبَالُهُ , فَإِذَا رَجَعَ إلَى الْإِيمَانِ رَجَعَ إلَيْهِ , وَإِذَا رَجَعَ رَجَعَ إلَيْهِ الْإِيمَانُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادِ بْنِ زُغْبَةَ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ شَارِبُهَا حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً فَيَرْفَعُ النَّاسُ فِيهَا إلَيْهِ أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ , ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ ، وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ حِينَ يَزْنِي مُؤْمِنٌ , وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ وَهُوَ حِينَ يَسْرِقُ مُؤْمِنٌ , وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَهُوَ حِينَ يَشْرَبُهَا مُؤْمِنٌ , وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ وَهُوَ حِينَ يَنْتَهِبُهَا مُؤْمِنٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلاَمٍ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ يَزْنِي الْعَبْدُ حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ. فَقُلْت لأَبْنِ عَبَّاسٍ : كَيْفَ يُنْتَزَعُ الْإِيمَانُ مِنْهُ فَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ , ثُمَّ أَخْرَجَهَا , فَقَالَ : هَكَذَا , فَإِذَا تَابَ عَادَ إلَيْهِ هَكَذَا , وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ لاَ يَسْرِقُ سَارِقٌ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَزْنِي زَانٍ حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَلاَ يَشْرَبُ الْحُدُودَ يَعْنِي الْخَمْرَ أَحَدُكُمْ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَنْتَهِبُ أَحَدُكُمْ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ إلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ أَعْيُنَهُمْ فِيهَا وَهُوَ حِينَ يَنْتَهِبُهَا مُؤْمِنٌ , وَلاَ يَغُلُّ أَحَدُكُمْ حِينَ يَغُلُّ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إيَّاكُمْ إيَّاكُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ فَمَرَّ جَلَبَةً عَلَى بَابِهَا فَسَمِعَتْ الصَّوْتَ , فَقَالَتْ : مَا هَذَا فَقَالُوا : رَجُلٌ ضُرِبَ فِي الْخَمْرِ , فَقَالَتْ : سُبْحَانَ اللَّهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَلاَ يَشْرَبُ يَعْنِي الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ , فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاكُمْ. قال أبو محمد رحمه الله : هَذَا أَثَرٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ , لاَ مَغْمَزَ فِيهِ , رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَأَبُو هُرَيْرَةَ , بِالأَسَانِيدِ التَّامَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا. وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ , وَأَبُو سَلَمَةَ , وَحُمَيْدٌ : ابْنَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ , وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ أَخُو سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ , وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ , وَهَمَّامُ بْنُ مُنَبِّهٍ. وَرَوَاهُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِكْرِمَةُ , وَعَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلاَءِ : النَّاسُ , فَهُوَ نَقْلٌ تَوَاتَرَ يُوجِبُ صِحَّةَ الْعِلْمِ , وَذُكِرَ فِيهِ كَمَا أَوْرَدْنَا : الْقَتْلُ , وَالزِّنَى , وَالْخَمْرُ , وَالسَّرِقَةُ , وَالنُّهْبَةُ , وَالْغُلُولُ. فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِهِ , وَمَا هُوَ هَذَا الْإِيمَانُ الَّذِي يُزَايِلُهُ حِينَ مُوَاقَعَتِهِ هَذِهِ الذُّنُوبَ : فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا أَنَّهُ يُخْلَعُ مِنْهُ الْإِيمَانُ كَمَا يُخْلَعُ سِرْبَالُهُ فَإِذَا رَجَعَ رَجَعَ إلَيْهِ الْإِيمَانُ. وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا أَوْرَدْنَا أَنَّهُ فَسَّرَ انْتِزَاعَ الْإِيمَانِ مِنْهُ : بِأَنْ شَبَّكَ أَصَابِعَ يَدَيْهِ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ , ثُمَّ زَايَلَهَا قَالَ : وَهَكَذَا , ثُمَّ رَدَّهَا وَقَالَ : فَإِذَا تَابَ عَادَ إلَيْهِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَعْرِضُ عَلَى مَمْلُوكِهِ الْبَاءَةَ , وَيَقُولُ : مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ زَوَّجْته فَإِنَّهُ لاَ يَزْنِي زَانٍ إِلاَّ نَزَعَ اللَّهُ مِنْهُ رِبْقَةَ الْإِيمَانِ , فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ رَدَّهُ بَعْدُ , وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَمْنَعَهُ مَنَعَهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ : سَمِعْت عَطَاءً يَقُولُ : سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : لاَ يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ حِينَ يَزْنِي , وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ حِينَ يَشْرَبُ قَالَ : لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ : وَإِذَا اعْتَزَلَ خَطِيئَتَهُ رَجَعَ إلَيْهِ الْإِيمَانُ قَالَ : فَرَاجَعْته فَقَالَ : لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ : فَيُنْتَزَعُ مِنْهُ الْإِيمَانُ مَا دَامَ عَلَى خَطِيئَتِهِ , فَإِذَا فَارَقَهَا رَجَعَ إلَيْهِ الْإِيمَانُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : وَأَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ سَمِعَ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ يَقُولُ : لاَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ حِينَ يَزْنِي , فَإِذَا زَايَلَهُ رَجَعَ إلَيْهِ الْإِيمَانُ لَيْسَ إذَا تَابَ مِنْهُ , وَلَكِنْ إذَا أَخَّرَ عَنْ الْعَمَلِ بِهِ قَالَ : وَحَسِبْته أَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ , فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ , وَقَالَ : فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ زَالَ عَنْهُ الْإِيمَانُ , يُقَالُ : الْإِيمَانُ كَالظِّلِّ. وَذَكَرَ أَيْضًا مَعْمَرٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الزُّهْرِيِّ , وَقَتَادَةَ , وَعَنْ رَجُلٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَعَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : هَذَا نَهْيٌ , يَقُولُ : حِينَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَفْعَلَنَّ يَعْنِي : لاَ يَسْرِقُ , وَلاَ يَزْنِي , وَلاَ يَغُلُّ. قال أبو محمد رحمه الله : فَهَذِهِ التَّفَاسِيرُ كُلُّهَا لَيْسَ فِيهَا إِلاَّ مُزَايَلَةُ الْإِيمَانِ لِلْفَاعِلِ حِينَ الْفِعْلِ , ثُمَّ رُجُوعُهُ فِي بَعْضِهَا إلَيْهِ إذَا تَابَ , وَإِذَا تَرَكَ. وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ التَّفَاسِيرِ بَيَانُ مَا هُوَ الْإِيمَانُ الزَّائِلُ حِينَ هَذِهِ الْمَعَاصِي وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ كُلَّ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ الْحَقُّ الْوَاضِحُ , الَّذِي لاَ حَقِيقَةَ فِي غَيْرِهِ , وَأَنَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ حِينَ فِعْلِهِ إيَّاهُ مُؤْمِنًا , فَإِنَّ الْإِيمَانَ قَدْ فَارَقَهُ بِلاَ شَكٍّ , كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ مَا هَذَا الْإِيمَانُ الَّذِي يَزُولُ عَنْهُ فِي حِينِ ذَلِكَ الْفِعْلِ لِنَعْلَمَ مِنْ ذَلِكَ حُكْمَ ذَلِكَ الْفَاعِلِ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهُ : فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ , فَوَجَدْنَا النَّاسَ فِي تَفْسِيرِ لَفْظَةِ " الْإِيمَانِ " قَدْ افْتَرَقُوا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ : فَقَالَ أَهْلُ الْحَقِّ : الْإِيمَانُ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى ثَلاَثَةِ مَعَانٍ : أَحَدُهَا : الْعَقْدُ بِالْقَلْبِ وَالآخَرُ : النُّطْقُ بِاللِّسَانِ وَالثَّالِثُ : عَمَلٌ بِجَمِيعِ الطَّاعَاتِ فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا وَاجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مُخْطِئَةٌ : إنَّ الْإِيمَانَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى مَعْنَيَيْنِ , وَهُمَا : الْعَقْدُ بِالْقَلْبِ , وَالنُّطْقُ بِاللِّسَانِ فَقَطْ , وَأَنَّ أَعْمَالَ الطَّاعَاتِ , وَاجْتِنَابَ الْمُحَرَّمَاتِ : إنَّمَا هِيَ شَرَائِعُ الْإِيمَانِ , وَلَيْسَتْ إيمَانًا , وَهَذِهِ مَقَالَةٌ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً فَصَاحِبُهَا لاَ يُكَفَّرُ. وَقَالَتْ طَائِفَتَانِ قَوْلَيْنِ خَرَجَا بِهِمَا إلَى الْكُفْرِ صُرَاحًا : أَحَدُهُمَا : جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ السَّمَرْقَنْدِيُّ , وَمَنْ قَلَّدَهُ وَائْتَمَّ بِهِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا : الْإِيمَانُ هُوَ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ فَقَطْ , وَإِنْ أَعْلَنَ الْكُفْرَ , وَجَحَدَ النُّبُوَّةَ , وَصَرَّحَ بِالتَّثْلِيثِ , وَعَبَدَ الصَّلِيبَ فِي دَارِ الإِسْلاَمِ , دُونَ تَقِيَّةٍ. وَالآخَرُ : مُحَمَّدُ بْنُ كِرَامٍ السِّجِسْتَانِيُّ , وَمَنْ اتَّبَعَهُ وَاقْتَدَى بِهِ , فَإِنَّهُمْ قَالُوا : الْإِيمَانُ التَّصْدِيقُ بِاللِّسَانِ فَقَطْ , وَإِنْ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ بِقَلْبِهِ. فَلَزِمَ الطَّائِفَةَ الْأُولَى : أَنَّ إبْلِيسَ مُؤْمِنٌ , وَأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ حَارَبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤْمِنُونَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ , لأََنَّ كُلَّ هَؤُلاَءِ عَرَفُوا اللَّهَ تَعَالَى بِقُلُوبِهِمْ , وَعَرَفُوا صِحَّةَ نُبُوَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُلُوبِهِمْ , وَجَدُوهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ , وَالْإِنْجِيلِ , أَوْ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ تَعَالَى فِي إخْبَارِهِ بِصِحَّةِ عِلْمِ إبْلِيسِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِنُبُوَّةِ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام. وَلَزِمَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ : أَنَّ الْمُنَافِقِينَ الَّذِي شَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ مُؤْمِنُونَ , أَوْلِيَاءُ اللَّهِ تَعَالَى , مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَهَذَا كُفْرٌ مُجَرَّدٌ. وَكِلاَ الْقَوْلَيْنِ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ , وَمُخَالَفَةٌ لأََهْلِ الإِسْلاَمِ. قال أبو محمد رحمه الله : فَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ : إنَّ الْإِيمَانَ الْمُزَايِلَ لِلزَّانِي فِي حِينِ زِنَاهُ , وَلِلْقَاتِلِ فِي حِينِ قَتْلِهِ , وَلِلسَّارِقِ فِي حِينِ سَرِقَتِهِ , وَلِلْغَالِّ فِي حِينِ غُلُولِهِ , وَلِلشَّارِبِ فِي حِينِ شُرْبِهِ , وَلِلْمُنْتَهِبِ فِي حَالِ نُهْبَتِهِ : أَنَّهُ التَّصْدِيقُ أَنْ يَقُولَ : الْقَاتِلُ , وَالزَّانِي , وَالْغَالُّ , وَالْمُنْتَهِبُ , وَالشَّارِبُ : قَدْ بَطَلَ تَصْدِيقُهُمْ وَمَنْ بَطَلَ تَصْدِيقُهُ فَهُوَ كَافِرٌ. فَيَلْزَمُهُ أَنْ لاَ يُؤْخَذَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ زَكَاةٌ , وَلاَ يُتْرَكَ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ ; ، وَلاَ أَنْ يَدْخُلَ الْحَرَمَ , وَلاَ أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَ مُسْلِمَةٍ , وَإِنْ مَاتَ لَهُ قَرِيبٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ أَنْ لاَ يَرِثَهُ وَهَذَا خِلاَفٌ لأَِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ يَعْتَدُّ بِهِ بَعْدَهُمْ , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ هَذَا يَعْنِي مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ قال أبو محمد رحمه الله : فَإِذْ لَمْ يُرِدْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الزَّانِيَ كَافِرٌ , وَلاَ أَنَّ الْقَاتِلَ كَافِرٌ , وَلاَ أَنَّ الْمُنْتَهِبَ كَافِرٌ , وَلاَ أَنَّ الْغَالَّ كَافِرٌ , وَلاَ أَنَّ الشَّارِبَ كَافِرٌ , وَلاَ أَنَّ السَّارِقَ كَافِرٌ. وَصَحَّ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا كُفَّارًا لَلَزِمَهُمْ مَا يَلْزَمُ الْمُرْتَدَّ عَنْ دِينِهِ مِنْ الْقَتْلِ , وَفِرَاقِ الزَّوْجَةِ , وَاسْتِيفَاءِ الْمَالِ فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَعْنِ بِذَهَابِ الْإِيمَانِ الْمَذْكُورِ ذَهَابَ تَصْدِيقِهِ. وَأَيْضًا فَبِضَرُورَةِ الْحِسِّ يَدْرِي مَنْ وَاقِعٍ شَيْئًا مِنْ الذُّنُوبِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ نَفْسِهِ : أَنَّ تَصْدِيقَهُ لَمْ يَزُلْ , وَأَنَّهُ كَمَا كَانَ , وَكُلُّ قَوْلٍ تُكَذِّبُهُ الضَّرُورَةُ فَهُوَ قَوْلٌ مُتَيَقَّنُ السُّقُوطِ فَقَدْ صَحَّ مَا قلنا : إنَّ الْإِيمَانَ الْمُزَايِلَ لَهُ فِي حَالِ هَذِهِ الأَفَاعِيلِ إنَّمَا هُوَ الْإِيمَانُ الَّذِي هُوَ الطَّاعَةُ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَطْ. وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ بِالْيَقِينِ , لأََنَّ الزِّنَى , وَالْقَتْلَ , وَالْغُلُولَ , وَالنُّهْبَةَ , وَشُرْبَ الْخَمْرِ , لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا طَاعَةً لِلَّهِ تَعَالَى , فَلَيْسَتْ إيمَانًا , فَإِذْ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا إيمَانًا , فَفَاعِلُهَا لَيْسَ مُؤْمِنًا , بِمَعْنَى لَيْسَ مُطِيعًا , إذْ لَمْ يَفْعَلْ الطَّاعَةَ , لَكِنَّهُ عَاصٍ وَفَاسِقٌ , وَمَنْ فَعَلَ الْإِيمَانَ فَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا لَمْ يَفْعَلْ فِي فِعْلِهِ تِلْكَ الأَفْعَالَ إيمَانًا , فَلَيْسَ مُؤْمِنًا. وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ الْحُجَجِ الْقَاطِعَةِ عَلَى أَنَّ الطَّاعَاتِ كُلَّهَا إيمَانٌ , وَأَنَّ تَرْكَ الطَّاعَةِ لَيْسَ إيمَانًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. هَلْ تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ أَمْ لاَ قال أبو محمد رحمه الله : أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّلْمَنْكِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ، حَدَّثَنَا أَبُو نَشِيطٍ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ , وَالْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ , قَالَ أَبُو نَشِيطٍ : حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةَ عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ : حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَبَّارُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ ثُمَّ اتَّفَقَ قَتَادَةُ , وَإِسْمَاعِيلُ كِلاَهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لاَ تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَلاَ يُقْتَلُ بِالْوَلَدِ الْوَالِدُ. قال أبو محمد رحمه الله : إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ , وَسَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ ضَعِيفَانِ وَبِهِ إلَى الْبَزَّارِ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ صَالِحِ بْنِ مُعَاذٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُقَامَ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ. مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ سَاقِطٌ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , وَالْعَبَّاسُ : مَجْهُولاَنِ. وَعَنْ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُبَارَكٌ عَنْ ظَبْيَانَ بْنِ صُبَيْحٍ الضَّبِّيِّ , قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : لاَ تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ ظَبْيَانَ : مَجْهُولٌ. وَعَنْ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ : أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَجُلٌ فِي حَدٍّ , فَقَالَ : أَخْرِجَاهُ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ اضْرِبَاهُ قال أبو محمد رحمه الله : هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ , قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِتَطْيِيبِ الْمَسَاجِدِ وَتَنْظِيفِهَا. وَقَالَ تَعَالَى وَكَذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجْمِ مَاعِزٍ بِالْبَقِيعِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ. وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الْحُدُودِ جَلْدًا فَقَطْ , فَإِقَامَتُهُ فِي الْمَسْجِدِ جَائِزٌ , وَخَارِجَ الْمَسْجِدِ أَيْضًا جَائِزٌ , إِلاَّ أَنَّ خَارِجَ الْمَسْجِدِ أَحَبُّ إلَيْنَا , خَوْفًا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَجْلُودِ بَوْلٌ لِضَعْفِ طَبِيعَتِهِ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يُؤْمَنُ مِنْ الْمَضْرُوبِ. برهان ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى هَلْ الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ لِمَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ أَمْ لاَ قال أبو محمد رحمه الله : كُلُّ مَنْ أَصَابَ ذَنْبًا فِيهِ حَدٌّ فَأُقِيمَ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ مَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ تَابَ أَوْ لَمْ يَتُبْ حَاشَ الْمُحَارَبَةِ , فَإِنَّ إثْمَهَا بَاقٍ عَلَيْهِ وَإِنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّهَا , وَلاَ يُسْقِطُهَا عَنْهُ إِلاَّ التَّوْبَةُ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَطْ. برهان ذَلِكَ : مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى , وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , وَعَمْرٌو النَّاقِدُ , وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ , ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ , كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ , فَقَالَ تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا ، وَلاَ تَسْرِقُوا ، وَلاَ تَزْنُوا ، وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ , فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ , وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ , وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ , إنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ , وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا خَالِدٌ هُوَ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ هُوَ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَخَذَ عَلَى النِّسَاءِ : أَنْ لاَ نُشْرِكَ بِاَللَّهِ شَيْئًا , وَلاَ نَسْرِقَ , وَلاَ نَزْنِيَ , وَلاَ نَقْتُلَ أَوْلاَدَنَا , وَلاَ يَغْتَابَ بَعْضُنَا بَعْضًا فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ , وَمَنْ أَتَى مِنْكُمْ حَدًّا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ فَهُوَ عِقَابُهُ , وَمَنْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ. وَأَمَّا تَخْصِيصُنَا الْمُحَارَبَةَ مِنْ جَمِيعِ الْحُدُودِ , فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى قال أبو محمد رحمه الله : فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُ النُّصُوصِ كُلِّهَا كَمَا جَاءَتْ , وَأَنْ لاَ يُتْرَكَ شَيْءٌ مِنْهَا لِشَيْءٍ آخَرَ وَلَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِنْ بَعْضٍ , وَكُلُّهَا حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلاَ يَجُوزُ النَّسْخُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ : أَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ فَإِنَّهُ فَضِيلَةٌ لَنَا أَنْ تُكَفَّرَ عَنَّا الذُّنُوبُ بِالْحَدِّ , وَالْفَضَائِلُ لاَ تُنْسَخُ , لأََنَّهَا لَيْسَتْ أَوَامِرَ , وَلاَ نَوَاهِيَ , وَإِنَّمَا النَّسْخُ فِي الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي سَوَاءٌ وَرَدَتْ بِلَفْظَةِ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ أَوْ بِلَفْظِ الْخَبَرِ , وَمَعْنَاهُ الأَمْرُ وَالنَّهْيُ. وَأَمَّا الْخَبَرُ الْمُحَقَّقُ فَلاَ يَدْخُلُ النَّسْخُ فِيهِ , وَلَوْ دَخَلَ لَكَانَ كَذِبًا وَهَذَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِشَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَمَّا الآيَةُ فِي الْمُحَارَبَةِ فَإِنَّ وُجُوبَ الْعَذَابِ فِي الآخِرَةِ مَعَ الْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ : خَبَرٌ مُجَرَّدٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى , لاَ مَدْخَلَ فِيهِ لِلأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَأَمِنَ دُخُولُ النَّسْخِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قال أبو محمد رحمه الله : فَإِنْ تَعَلَّقَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْعُذْرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ دُحَيْمٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْكَشِّيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا أَدْرِي أَتُبَّعُ كَانَ نَبِيًّا أَمْ لاَ وَمَا أَدْرِي ذُو الْقَرْنَيْنِ أَنَبِيًّا كَانَ أَمْ لاَ وَمَا أَدْرِي الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لأََهْلِهَا أَمْ لاَ . وَبِمَا ثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْعُذْرِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَعِيدِ بْنِ سَخْتَوَيْهِ الْإسْفَرايِينِيّ فِي دَارِهِ بِمَكَّةَ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سَعْدٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ بْنِ مُوسَى ، حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ رَشِيدٍ ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ هَارُونَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا بَايَعَتْ النِّسَاءُ , فَمَنْ مَاتَ مِنَّا وَلَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْهُنَّ : ضَمِنَ لَهُ الْجَنَّةَ , وَمَنْ مَاتَ مِنَّا وَأَتَى بِشَيْءٍ فَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ : فَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى قال أبو محمد رحمه الله : أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَصَحِيحُ السَّنَدِ , وَمَا نَعْلَمُ لَهُ فِي وَقْتِنَا هَذَا عِلَّةً , إِلاَّ أَنَّ الَّذِي لاَ نَشُكُّ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ , وَلاَ يَقُولُ إِلاَّ الْحَقَّ , وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصَحِّ سَنَدٍ مِمَّا أَوْرَدْنَا آنِفًا مِنْ طَرِيقِ عُبَادَةَ : أَنَّ مَنْ أَصَابَ مِنْ الزِّنَى , وَالسَّرِقَةِ , وَالْقَتْلِ , وَالْغَصْبِ : شَيْئًا , فَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ , فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَشُكَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ قَدْ قَطَعَ بِهِ , وَبَشَّرَ أُمَّتَهُ بِهِ , وَهُوَ وَحْيٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْحَى إلَيْهِ بِهِ. وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا فِيهِ : أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَقُلْ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْكَلاَمَ , وَقَدْ سَمِعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ أَحَدِ الْمُهَاجِرِينَ , مِمَّنْ سَمِعَهُ ذَلِكَ الصَّاحِبُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَعْثِ , قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ عُبَادَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَةٌ فَهَذَا صَحِيحٌ بِأَنَّهُ عليه السلام لاَ يُعَلِّمُ إِلاَّ مَا عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى , ثُمَّ أَعْلَمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ حِينَئِذٍ , وَأَخْبَرَ بِهِ الأَنْصَارَ , إذْ بَايَعُوهُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ , وَالْحُدُودُ حِينَئِذٍ لَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ بَعْدُ , لاَ حِينَ بَيْعَةِ عُبَادَةَ ، وَلاَ قَبْلَ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ , لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمَ رَسُولَهُ عليه السلام أَنَّهُ سَيَكُونُ لِهَذِهِ الذُّنُوبِ حُدُودٌ , وَعُقُوبَاتٌ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُعْلِمْهُ بِهَا لَكِنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهَا كَفَّارَاتٌ لأََهْلِهَا هَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لاَ يَجُوزُ غَيْرُهُ إنْ صَحَّ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ تَكُنْ فِيهِ عِلَّةٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَسَاقِطٌ لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُد بْنِ رَشِيدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي تَكَلَّمْنَا فِيهِ آنِفًا , وَالأَمْرُ كَانَ حِينَئِذٍ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَبْيَنُ , لأََنَّ إسْلاَمَ جَرِيرٍ مُتَأَخِّرٌ جِدًّا بَعْدَ الْفَتْحِ , لَمْ يُدْرِكْ قَطُّ بَيْعَةَ النِّسَاءِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ الْقِتَالِ , لأََنَّ إسْلاَمَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ " الْمَائِدَةِ " فَصَارَ حَدِيثُ عُبَادَةَ قَاضِيًا عَلَى كُلِّ ذَلِكَ , وَمُخْبِرًا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى مَا لَيْسَ فِي سَائِرِ الأَخْبَارِ : مِنْ أَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَةٌ لأََهْلِهَا , حَاشَ مَا خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا هَلْ تَسْقُطُ الْحُدُودُ بِالتَّوْبَةِ أَمْ لاَ قال أبو محمد رحمه الله : قَالَ قَوْمٌ : إنَّ الْحُدُودَ كُلَّهَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَهَذِهِ رِوَايَةٌ رَوَاهَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَشْعَرِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ , قَالَهَا بِالْعِرَاقِ وَرَجَعَ عَنْهَا بِمِصْرَ وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ : بِمَا نَاهٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَقِمْ عَلَيَّ كِتَابَ اللَّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ , ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجْمِهِ , فَلَمَّا مَسَّتْهُ الْحِجَارَةُ خَرَجَ يَشْتَدُّ , وَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَنَسٍ مِنْ نَادِي قَوْمِهِ بِوَظِيفِ حِمَارٍ , فَضَرَبَهُ فَصَرَعَهُ , فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَهُ بِأَمْرِهِ فَقَالَ أَلاَ تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ يَا هَذَا لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا لَكَ. حدثنا حمام ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ نَصْرٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ امْرَأَةً وَقَعَ عَلَيْهَا رَجُلٌ فِي سَوَادِ الصُّبْحِ وَهِيَ تَعْمِدُ إلَى الْمَسْجِدِ عَنْ كُرْهِ نَفْسِهَا , فَاسْتَغَاثَتْ بِرَجُلٍ مَرَّ عَلَيْهَا وَفَرَّ صَاحِبُهَا , ثُمَّ مَرَّ عَلَيْهَا قَوْمٌ ذَوُو عَدَدٍ , فَاسْتَغَاثَتْ بِهِمْ , فَأَدْرَكُوا الَّذِي اسْتَغَاثَتْ بِهِ , وَسَبَقَهُمْ الآخَرُ , فَأَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ : أَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا , وَأَخْبَرَهُ الْقَوْمُ : أَنَّهُمْ أَدْرَكُوهُ يَشْتَدُّ , فَقَالَ : إنَّمَا كُنْتُ أَغَثْتُهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَأَدْرَكَنِي هَؤُلاَءِ فَأَخَذُونِي , قَالَتْ : كَذَبَ , هُوَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيَّ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ النَّاسِ فَقَالَ : لاَ تَرْجُمُوهُ وَارْجُمُونِي أَنَا الَّذِي فَعَلْتُ بِهَا الْفِعْلَ , فَاعْتَرَفَ , فَاجْتَمَعَ ثَلاَثَةٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهَا , وَاَلَّذِي أَغَاثَهَا , وَالْمَرْأَةُ , فَقَالَ أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ , وَقَالَ لِلَّذِي أَغَاثَهَا قَوْلاً حَسَنًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : أَرْجُمُ الَّذِي اعْتَرَفَ بِالزِّنَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ , إنَّهُ قَدْ تَابَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى زَادَ ابْنُ عُمَرَ فِي رِوَايَتِهِ لَوْ تَابَهَا أَهْلُ مَدِينَةِ يَثْرِبَ لَقُبِلَ مِنْهُمْ. حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ ، حَدَّثَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِي مَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ الْهُذَلِيِّ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ قَالَ شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنِّي أَصَبْتُ حَدًّا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى , فَأَعْرَضَ عَنْهُ , ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ قَالَهَا الثَّالِثَةَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ , ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ , فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ أَتَى الرَّابِعَةَ , فَقَالَ : أَصَبْت حَدًّا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَأَقِمْ فِي حَدَّ اللَّهِ قَالَ : أَلَمْ تُحْسِنْ الطُّهُورَ أَوْ الْوُضُوءَ ثُمَّ شَهِدْتَ الصَّلاَةَ مَعَنَا آنِفًا اذْهَبْ فَهِيَ كَفَّارَتُكَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ ، حَدَّثَنَا شَدَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْبَاهِلِيِّ قَالَ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : إنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْ عَلَيَّ وَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ خَرَجَ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَتَبِعْتُهُ , فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِمْ عَلَيَّ حَدِّي فَإِنِّي أَصَبْتُهُ , فَقَالَ : أَلَيْسَ حِينَ خَرَجْتَ مِنْ مَنْزِلِكَ تَوَضَّأْتَ فَأَحْسَنْتَ الْوُضُوءَ وَشَهِدْتَ مَعَنَا الصَّلاَةَ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ أَوْ حَدَّكَ. قال أبو محمد رحمه الله : وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ وَفِيهِ " إنِّي زَنَيْت " كَمَا ثنا الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ الأَسَدِيُّ التَّمِيمِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إبْرَاهِيمَ الأَصِيلِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الصَّوَّافُ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ رَوْحٍ الْبَرْذَنْجِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْوَاسِطِيُّ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنِّي زَنَيْتُ فَأَقِمْ عَلَيَّ الْحَدَّ , ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ , فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَفَّرَ عَنْكَ بِصَلاَتِكَ. قال أبو محمد رحمه الله وَقَالُوا : قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قال أبو محمد رحمه الله : هَذَا كُلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ , وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّ التَّوْبَةَ لاَ تُسْقِطُ الْحُدُودَ. وَاحْتَجُّوا : بِمَا ناه حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حَدَّثَنَا بَكْرُ ، هُوَ ابْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ حَدَّثَهُ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُبْلَى مِنْ الزِّنَا فَقَالَتْ : إنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ , فَدَعَا وَلِيَّهَا فَقَالَ أَحْسِنْ إلَيْهَا فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا فَفَعَلَ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا , فَقَالَ عُمَرُ : تُصَلِّي عَلَيْهَا وَقَدْ زَنَتْ فَقَالَ : لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ , هَلْ وَجَدْتَ شَيْئًا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى ، حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ : مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنِّي أَصَبْتُ فَاحِشَةً فَأَقِمْهُ عَلَيَّ فَرَدَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِرَارًا ثُمَّ سَأَلَ قَوْمَهُ فَقَالُوا : مَا نَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا فَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ وَفِيهِ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَرْجُمَهُ , فَكَانَ النَّاسُ فِيهِ فِرْقَتَيْنِ : قَائِلٌ يَقُولُ : هَلَكَ , لَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ , وَقَائِلٌ يَقُولُ : مَا تَوْبَةٌ أَفْضَلُ مِنْ تَوْبَةِ مَاعِزٍ , إنَّهُ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ فَقَالَ : اُقْتُلْنِي بِالْحِجَارَةِ , قَالَ : فَلَبِثُوا بِذَلِكَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ جُلُوسٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ فَقَالُوا : غَفَرَ اللَّهُ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَزَنَيْتُ وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي , فَرَدَّهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَجَاءَتْ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي , وَأَنَّهُ رَدَّهَا , فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا فَوَاَللَّهِ إنِّي لَحُبْلَى , قَالَ أَمَّا الآنَ فَاذْهَبِي وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ وَفِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ : هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ فَطَمْتُهُ , وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ , فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ إلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا فَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَرَمَى رَأْسَهَا فَنَضَحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ , فَسَبَّهَا , فَسَمِعَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ إيَّاهَا , فَقَالَ : مَهْلاً يَا خَالِدُ , فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ , ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ. قَالُوا : فَهَذَا مَاعِزٌ قَدْ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ قَبْلَ الرَّجْمِ بِإِخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ , وَبِأَنَّهَا مَقْبُولَةٌ وَهَذِهِ الْغَامِدِيَّةُ , وَالْجُهَيْنِيَّةُ رضي الله عنهما قَدْ تَابَتَا أَتَمَّ تَوْبَةٍ وَأَصَحَّهَا , مَقْبُولَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِإِخْبَارِ النَّبِيِّ عليه السلام وَلَمْ تُسْقِطْ هَذِهِ التَّوْبَةُ عَنْهُمْ الْحَدَّ. قَالُوا : وَكَذَلِكَ أَيْضًا حَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ قَذَفُوا عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، قال أبو محمد رحمه الله : فَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتْبَعَهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنِّهِ : فَنَظَرْنَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ مَنْ رَأَى الْحُدُودَ سَاقِطَةً بِالتَّوْبَةِ. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ , فَوَجَدْنَاهُ مُرْسَلاً , فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيث عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ , فَوَجَدْنَاهُ لاَ يَصِحُّ , لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ وَهُوَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ , شَهِدَ بِذَلِكَ شُعْبَةُ , وَغَيْرُهُ , فَسَقَطَ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ , فَوَجَدْنَا الأَوَّلَ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ , وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَاهِلِيِّ , فَوَجَدْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ , وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. فإن قيل : وَقَدْ رَوَيْتُمُوهُ بِأَنَّ فِيهِ زَيْنَبَ قلنا : نَعَمْ , وَفِيهِ مَنْ لاَ يُعْرَفُ رِجَالُهُ , ثُمَّ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ دُونَ عِلَّةٍ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ , لأََنَّ فِيهِ وُجُوهًا تَمْنَعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ : أَحَدُهَا أَنَّ مُمْكِنًا أَنْ يَكُونَ هَذَا قَبْلَ نُزُولِ حَدِّ الزِّنَى ثُمَّ نَزَلَ حَدُّ الزِّنَى فَكَانَ الْحُكْمُ لأَِيجَابِ الْحَدِّ. فإن قيل : وَمُمْكِنٌ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ نُزُولِ حَدِّ الزِّنَى ثُمَّ نَزَلَ حَدُّ الزِّنَى فَكَانَ الْحُكْمُ لَهُ وَيَكُونُ نَاسِخًا لِمَا فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ , وَالْغَامِدِيَّةِ وَالْجُهَيْنِيَّةِ قلنا : إنَّ الْوَاجِبَ إذَا تَعَارَضَتْ الأَخْبَارُ أَنْ يُؤْخَذَ بِالزَّائِدِ وَالزَّائِدُ : هُوَ الَّذِي جَاءَ بِحُكْمٍ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فِي مَعْهُودِ الأَصْلِ , وَكَانَ مَعْهُودُ الأَصْلِ بِلاَ شَكٍّ : أَنْ لاَ حَدَّ عَلَى أَحَدٍ تَائِبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ تَائِبٍ فَجَاءَ النَّصُّ : بِإِيجَابِ الْحُدُودِ جُمْلَةً , وَكَانَتْ هَذِهِ النُّصُوصُ زَائِدَةً عَلَى مَعْهُودِ الأَصْلِ , وَجَاءَ حَدِيثُ مَاعِزٍ , وَالْغَامِدِيَّةِ , وَالْجُهَيْنِيَّةِ , فَكَانَ مَا فِيهَا مِنْ إيجَابِ الْحَدِّ عَلَى التَّائِبِ زَائِدًا عَلَى مَا فِي الْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ إسْقَاطُ الْحَدِّ عَنْ التَّائِبِ هَذَا لَوْ كَانَ فِي حَدِيثِهِمْ أَنَّ الْحَدَّ سَقَطَ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ , فَكَيْفَ وَلَيْسَ هَذَا فِيهِ وَإِنَّمَا فِيهِ إسْقَاطُ الْحَدِّ بِصَلاَتِهِ فَقَطْ , وَهَذَا مَا لاَ يَقُولُونَهُ بَلْ هُمْ يُخَالِفُونَ لِهَذَا الْحُكْمِ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ , وَبِتِلْكَ الأَخْبَارِ جُمْلَةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالُوا : هَبْكُمْ أَنَّ حَدَّ الزِّنَى قَدْ وَجَدْتُمْ فِيهِ , وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ : إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى مَنْ تَابَ , فَمِنْ أَيْنَ لَمْ تُسْقِطُوا حَدَّ السَّرِقَةِ , وَحَدَّ الْخَمْرِ بِالتَّوْبَةِ ، وَلاَ نَصَّ مَعَكُمْ فِي إقَامَتِهَا عَلَى التَّائِبِ مِنْهَا قلنا : إنَّ النَّصَّ قَدْ وَرَدَ جُمْلَةً بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي السَّرِقَةِ , وَالْخَمْرِ , وَالزِّنَى , وَالْقَذْفِ , وَلَمْ يَسْتَثْنِ اللَّهُ تَعَالَى تَائِبًا مِنْ غَيْرِ تَائِبٍ , وَلَمْ يَصِحَّ نَصٌّ أَصْلاً بِإِسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْ التَّائِبِ , فَإِذَا الأَمْرُ كَذَلِكَ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُخَصَّ التَّائِبُ مِنْ عُمُومِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ بِالرَّأْيِ , وَالْقِيَاسِ دُونَ نَصٍّ ، وَلاَ إجْمَاعٍ , فَهَذِهِ عُمْدَتُنَا فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى التَّائِبِ وَغَيْرِ التَّائِبِ. وَإِنَّمَا حَدِيثُ مَاعِزٍ , وَالْغَامِدِيَّةِ , وَالْجُهَيْنِيَّةِ : مُؤَيِّدٌ لِقَوْلِنَا فِي ذَلِكَ فَقَطْ , وَلَوْ لَمْ يَأْتِ مَا احْتَجْنَا إلَيْهَا مَعَ الأَوَامِرِ الْوَارِدَةِ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ , لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ. وَقَوْلِهِ عليه السلام الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ , وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ. وَمَعَ قوله تعالى وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ يَلْزَمُنَا هَذَا , لأََنَّ الْقِيَاسَ كُلَّهُ بَاطِلٌ لاَ يَحِلُّ الْقَوْلُ بِشَيْءٍ مِنْهُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَعَذَابُ الآخِرَةِ غَيْرُ عَذَابِ الدُّنْيَا , وَلَيْسَ إذَا سَقَطَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ الآخَرُ , إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصُّ قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٍ , وَلاَ إجْمَاعٍ. وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَعَاصِي لَيْسَ فِيهَا فِي الدُّنْيَا حَدٌّ , كَالْغَصْبِ وَمَنْ قَالَ لأَخَرَ : يَا كَافِرُ وَكَأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ , وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُوجِبِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا فِي الآخِرَةِ عِقَابٌ , بَلْ فِيهَا أَعْظَمُ الْعِقَابِ فِي الآخِرَةِ. فَصَحَّ أَنَّ أَحْكَامَ الدُّنْيَا غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِأَحْكَامِ الآخِرَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَيْضًا : فَبَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ جَلَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِسْطَحَ بْنِ أُثَاثَةَ , وَحَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ , وَحَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ بِالتَّوْبَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الآيَةِ. وَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ بِهَا مَا عَدَا الْحَدَّ وَهُوَ الْفِسْقُ , وَرَدُّ الشَّهَادَةِ فَقَطْ فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ بِهِ وَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ شَيْءٌ مِنْ الْحُدُودِ , حَاشَا حَدِّ الْحِرَابَةِ الَّذِي وَرَدَ النَّصُّ بِسُقُوطِهَا بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ فَقَطْ وَأَمَّا بِالتَّوْبَةِ الْكَائِنَةِ مِنْهُمْ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ , أَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ , فَلاَ يَسْقُطُ بِذَلِكَ عَنْهُمْ حَدُّ الْمُحَارَبَةِ أَصْلاً , لأََنَّ النَّصَّ لَمْ يُسْقِطْ الْحَدَّ عَنْهُمْ إِلاَّ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ فَقَطْ , وَبَقِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى إنْفَاذِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ رحمه الله : وَالدَّلِيلُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ وَلَمْ يَقُلْ مَا هُوَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ أَصْلاً كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ قَالَ : عَلَيَّ حَدٌّ فِيهِ الْجَلْدُ فَقَطْ : لَمْ يَقُمْ أَيْضًا جَلْدٌ , لأََنَّهُ قَدْ يُظَنُّ فِي فِعْلِهِ ذَلِكَ أَنَّهُ حَدٌّ يُوجِبُ جَلْدًا وَلَيْسَ كَمَا يُظَنُّ فَإِذْ هُوَ مُمْكِنٌ فَلاَ يَحِلُّ لَنَا بَشَرَتُهُ بِإِحْلاَلِهِ لَنَا إيَّاهَا , لأََنَّ تَحْرِيمَ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا قَبْلَ إحْلاَلِهِ الْفَاسِدِ. وَلَوْ أَنَّ امْرَأً قَالَ لأَخَرَ : اضْرِبْنِي فَقَدْ أَحْلَلْت لَك بَشَرَتِي لَمْ يَحِلَّ ضَرْبُهُ أَصْلاً , لأََنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحِلَّ مِنْ نَفْسِهِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا , وَلاَ أَنْ يُحَرِّمَ مِنْهَا مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَوْ قَالَ مَنْ صَحَّ عَلَيْهِ الْجَلْدُ فِي الْقَذْفِ , أَوْ الزِّنَى , أَوْ الْخَمْرِ : قَدْ حَرَّمْت عَلَيْكُمْ بَشَرَتِي , لَكَانَ كَلاَمُهُ هَذْرًا وَلَغْوًا. وَكَذَلِكَ لَوْ أَحَلَّ لأَخَرَ قَتْلَ نَفْسِهِ أَوْ قَطْعَ يَدِهِ أَوْ أَحَلَّتْ الْمَرْأَةُ فَرْجَهَا لأََجْنَبِيٍّ. أَوْ حَرَّمَ الرَّجُلُ فَرْجَهُ عَلَى امْرَأَتِهِ , أَوْ حَرَّمَتْ هِيَ فَرْجَهَا عَلَيْهِ , لَكَانَ كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلاً , وَلاَ حَرَامَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ عليه السلام , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَزْدَادَ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِالشَّكِّ , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُجْلَدَ شَيْئًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ مَا هُوَ الْحَدُّ الَّذِي عَلَيْهِ , وَيَصِفَهُ وَصَفًّا تَامًّا. السِّجْنُ فِي التُّهْمَةِ قال أبو محمد رضي الله عنه: قَالَ قَوْمٌ : بِالسِّجْنِ فِي التُّهْمَةِ وَاحْتَجُّوا : بِمَا ثنا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ ثنا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ ثنا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْعَوَّامِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَاتِمٍ الطَّوِيلُ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ خُثَيْمِ بْنِ عِرَاكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ احْتِيَاطًا , أَوْ قَالَ : اسْتِظْهَارًا : يَوْمًا وَلَيْلَةً. وَبِهِ إلَى قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ آدَمَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ , ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ قَالَ : أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا مِنْ قَوْمِهِ فِي تُهْمَةٍ فَحَبَسَهُمْ , فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ , عَلَى مَا تَحْبِسُ جِيرَتِي فَصَمَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّ نَاسًا يَقُولُونَ : إنَّكَ لَتَنْهَى عَنْ الشَّيْءِ وَتَسْتَخْلِي بِهِ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَقُولُ فَجَعَلْتُ أَعْرِضُ بَيْنَهُمَا بِكَلاَمٍ مَخَافَةَ أَنْ يَسْمَعَهَا فَيَدْعُوَ عَلَى قَوْمِي دَعْوَةً لاَ يُفْلِحُونَ بَعْدَهُ , قَالَ : فَلَمْ يَزَلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى فَهِمَهَا قَالَ : قَدْ قَالُوهَا وَقَالَ قَائِلُهَا مِنْهُمْ : وَاَللَّهِ لَوْ فَعَلْتُهَا لَكَانَ عَلَيَّ وَمَا كَانَ عَلَيْهِمْ , خَلُّوا لَهُ عَنْ جِيرَانِهِ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : أَقْبَلَ رَجُلاَنِ مِنْ بَنِي غِفَارٍ حَتَّى نَزَلاَ مَنْزِلاً بِضَجِنَانَ مِنْ مِيَاهِ الْمَدِينَةِ , وَعِنْدَهَا نَاسٌ مِنْ غَطَفَانَ مَعَهُمْ ظَهْرٌ لَهُمْ , فَأَصْبَحَ الْغَطَفَانِيُّونَ قَدْ أَضَلُّوا بَعِيرَيْنِ مِنْ إبِلِهِمْ فَاتَّهَمُوا بِهِمَا الْغِفَارِيِّينَ , فَأَقْبَلُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرُوا أَمْرَهُمْ , فَحَبَسَ أَحَدَ الْغِفَارِيِّينَ , وَقَالَ لِلآخَرِ : اذْهَبْ فَالْتَمِسْ فَلَمْ يَكُنْ إِلاَّ يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ بِهِمَا , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأََحَدِ الْغِفَارِيِّينَ حَسِبْتُ أَنَّهُ الْمَحْبُوسُ اسْتَغْفِرْ لِي فَقَالَ : غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَكَ وَقَتَلَكَ فِي سَبِيلِهِ , قَالَ : فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ. قال أبو محمد رحمه الله : وَذَهَبَ إلَى هَذَا قَوْمٌ , كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ كِتَابًا قَرَأْته : إذَا وُجِدَ الْمَتَاعُ مَعَ الرَّجُلِ الْمُتَّهَمِ فَقَالَ : ابْتَعْته فَاشْدُدْهُ فِي السِّجْنِ وَثَاقًا , وَلاَ تَحُلُّهُ بِكِتَابِ أَحَدٍ حَتَّى يَأْتِيَهُ فِيهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى , قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعَطَاءٍ فَأَنْكَرَهُ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى الْمَنْعِ مِنْ الْحَبْسِ بِالتُّهْمَةِ , كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ , قَالَ : سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عَامِرٍ قَالَ : انْطَلَقْت فِي رَكْبٍ حَتَّى إذَا جِئْنَا ذَا الْمَرْوَةِ سُرِقَتْ عَيْبَةٌ لِي , وَمَعَنَا رَجُلٌ مُتَّهَمٌ , فَقَالَ أَصْحَابِي : يَا فُلاَنُ اُرْدُدْ عَلَيْهِ عَيْبَتَهُ فَقَالَ : مَا أَخَذْتهَا : فَرَجَعْت إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرْته , فَقَالَ : مَنْ أَنْتُمْ فَعَدَدْتهمْ , فَقَالَ : أَظُنُّهَا صَاحِبُهَا لِلَّذِي أَتَّهِمُ فَقُلْت : لَقَدْ أَرَدْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ مُصَفَّدًا , فَقَالَ عُمَرُ : أَتَأْتِي بِهِ مَصْفُودًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ , لاَ أَكْتُبُ لَك فِيهَا , وَلاَ أَسْأَلُك عَنْهَا , وَغَضِبَ وَمَا كَتَبَ لِي فِيهَا , وَلاَ سَأَلَ عَنْهَا , فَأَنْكَرَ عُمَرُ رضي الله عنه أَنْ يُصَفَّدَ أَحَدٌ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ. قال أبو محمد رحمه الله : فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ لاَ حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا , لأََنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ خُثَيْمٍ ضَعِيفٌ , وَبَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ , وَحَدِيثَ عِرَاكٍ مُرْسَلٌ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ فِيهِ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْحَبْسِ لأَسْتِغْفَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ الْمَرْأَةِ الْغَامِدِيَّةِ الَّتِي قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَهِّرْنِي , قَالَ : وَيْحَكِ , ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إلَيْهِ , قَالَتْ : لَعَلَّك تَرُدُّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ , قَالَتْ : إنِّي حُبْلَى مِنْ الزِّنَى , قَالَ : أَثَيِّبٌ أَنْتِ قَالَتْ : نَعَمْ , قَالَ : فَلاَ نَرْجُمَنَّكِ حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ , قَالَ : فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ , فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : قَدْ وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةِ قَالَ : إذًا لاَ نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ : إلَيَّ رَضَاعُهُ , فَرَجَمَهَا. قال أبو محمد رحمه الله : فَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْجِنْهَا ، وَلاَ أَمَرَ بِذَلِكَ , لَكِنْ فِيهِ : أَنَّ الأَنْصَارِيَّ تَوَلَّى أَمْرَهَا وَحِيَاطَتَهَا فَقَطْ. قال أبو محمد رحمه الله : فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ عَلِيٌّ رحمه الله : فَإِذْ لَمْ يَبْقَ لِمَنْ رَأَى السِّجْنَ حُجَّةٌ , فَالْوَاجِبُ طَلَبُ الْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الآخَرِ , فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ بِسَجْنِهِ لاَ يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ : إمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَّهَمًا لَمْ يَصِحَّ قَبْلَهُ شَيْءٌ , أَوْ يَكُونَ قَدْ صَحَّ قَبْلَهُ شَيْءٌ مِنْ الشَّرِّ , فَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِقَتْلٍ , أَوْ زِنًا , أَوْ سَرِقَةٍ , أَوْ شُرْبٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ : فَلاَ يَحِلُّ سَجْنُهُ , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَقَدْ كَانَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَّهَمُونَ بِالْكُفْرِ وَهُمْ الْمُنَافِقُونَ فَمَا حَبَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ أَحَدًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فِيمَنْ أَصَابَ حَدًّا مَرَّتَيْنِ فَصَاعِدًا قال أبو محمد رحمه الله : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ , كَمَنْ زَنَى مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ فِي ذَلِكَ , أَوْ قَذَفَ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ فِي ذَلِكَ , أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ قَبْلَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ , أَوْ سَرَقَ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ فِي ذَلِكَ , أَوْ جَحَدَ عَارِيَّةً مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ , قَبْلَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي ذَلِكَ أَوْ حَارَبَ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ قَبْلَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي ذَلِكَ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لَيْسَ فِي كُلِّ ذَلِكَ إِلاَّ حَدٌّ وَاحِدٌ فَقَطْ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : عَلَيْهِ لِكُلِّ مَرَّةٍ حَدٌّ. قال أبو محمد رحمه الله : فَوَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتَّبِعَهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ : لِكُلِّ فِعْلَةٍ حَدٌّ فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ تَعَالَى وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد رحمه الله : أَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : وَقَوْله تَعَالَى وَقَوْله تَعَالَى وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : فَاسْتَقَرَّ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَيْهِ , فَهَذَا وَهْمُ أَصْحَابِنَا , وَلَسْنَا نَقُولُ بِهَذَا , لَكِنْ نَقُولُ : إنَّهُ لاَ يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ الْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ بِنَفْسِ الزِّنَى , وَلاَ بِنَفْسِ الْقَذْفِ , وَلاَ بِنَفْسِ السَّرِقَةِ , وَلاَ بِنَفْسِ الشُّرْبِ , لَكِنْ حَتَّى يَسْتَضِيفَ إلَى ذَلِكَ مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ ثَبَاتُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ , إمَّا بِعِلْمِهِ , وَأَمَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ , وَأَمَّا بِإِقْرَارِهِ , وَأَمَّا مَا لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَلاَ يَلْزَمُهُ حَدٌّ , لاَ جَلْدٌ , وَلاَ قَطْعٌ أَصْلاً. برهان ذَلِكَ : هُوَ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ الْحُدُودُ الْمَذْكُورَةُ بِنَفْسِ الْفِعْلِ لَكَانَ فَرْضًا عَلَى مَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ عَلَى نَفْسِهِ لِيَخْرُجَ مِمَّا لَزِمَهُ , أَوْ أَنْ يُعَجِّلَ الْمَجِيءَ إلَى الْحَاكِمِ فَيُخْبِرَهُ بِمَا عَلَيْهِ لِيُؤَدِّيَ مَا لَزِمَهُ فَرْضًا فِي ذِمَّتِهِ , لاَ فِي بَشَرَتِهِ , وَهَذَا أَمْرٌ لاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا بِلاَ خِلاَفٍ. أَمَّا إقَامَتُهُ الْحَدَّ عَلَى نَفْسِهِ فَحَرَامٌ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا , وَأَنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِسَارِقٍ أَنْ يَقْطَعَ يَدَ نَفْسِهِ , بَلْ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ الْأُمَّةِ كُلِّهَا عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى , فَلَوْ كَانَ الْحَدُّ فَرْضًا وَاجِبًا بِنَفْسِ فِعْلِهِ لَمَا حَلَّ لَهُ السَّتْرُ عَلَى نَفْسِهِ , وَلاَ جَازَ لَهُ تَرْكُ الْإِقْرَارِ طَرْفَةَ عَيْنٍ , لِيُؤَدِّيَ عَنْ نَفْسِهِ مَا لَزِمَهُ. وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ عليه السلام الأَئِمَّةَ وَوُلاَتَهُمْ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى مَنْ جَنَاهَا , وَبِيَقِينِ الضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْهُمْ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ , وَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ لِكُلِّ زِنًا يَزْنِيهِ , وَكُلِّ قَذْفٍ يَقْذِفُهُ , وَكُلِّ شُرْبٍ يَشْرَبُهُ , وَكُلِّ سَرِقَةٍ يَسْرِقُهَا , وَكُلِّ حِرَابَةٍ يُحَارِبُ , وَكُلِّ عَارِيَّةٍ يَجْحَدُهَا قَبْلَ عِلْمِ الْإِمَامِ بِذَلِكَ , فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ , لَكِنَّا نَقُولُ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى مَنْ زَنَى مَرَّةً , أَوْ أَلْفَ مَرَّةٍ إذَا عَلِمَ الْإِمَامُ بِذَلِكَ جَلْدَ مِائَةٍ , وَعَلَى الْقَاذِفِ , وَالسَّارِقِ , وَالْمُحَارِبِ , وَشَارِبِ الْخَمْرِ , وَالْجَاحِدِ مَرَّةً , وَأَلْفَ مَرَّةٍ حَدًّا وَاحِدًا , إذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ ذَلِكَ كُلَّهُ. قال أبو محمد رحمه الله : وَأَمَّا إنْ وَقَعَ عَلَى مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ تَضْيِيعٌ مِنْ الْإِمَامِ , أَوْ أَمِيرِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ , ثُمَّ شَرَعَ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ فَوَقَعَتْ ضَرُورَةٌ مَنَعَتْ مِنْ إتْمَامِهِ فَوَاقَعَ فِعْلاً آخَرَ مِنْ نَوْعِ الأَوَّلِ , فَقَوْلُنَا , وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا سَوَاءٌ : يَسْتَتِمُّ عَلَيْهِ الْحَدَّ الأَوَّلَ , ثُمَّ يَبْتَدِئُ فِي الثَّانِي ، وَلاَ بُدَّ. برهان ذَلِكَ : أَنَّ الْحَدَّ كُلَّهُ قَدْ وَجَبَ بِعِلْمِ الْإِمَامِ , أَوْ أَمِيرِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى إقَامَةِ جَمِيعِ الْحَدِّ , ثُمَّ أَحْدَثَ ذَنْبًا آخَرَ , فَلاَ يَجْزِي عَنْهُ حَدٌّ قَدْ تَقَدَّمَ وُجُوبُهُ. قال أبو محمد رحمه الله : وَنَسْأَلُ الْمُخَالِفِينَ عَنْ قَوْلِهِمْ فِيمَنْ زَنَى مَرَّاتٍ , أَوْ شَرِبَ مَرَّاتٍ , أَوْ قَذَفَ مَرَّاتٍ إنْسَانًا وَاحِدًا , أَوْ سَرَقَ مَرَّاتٍ , أَوْ حَارَبَ مَرَّاتٍ وَعَلِمَ الْإِمَامُ كُلَّ ذَلِكَ وَقَدَرَ عَلَى إقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِ , ثُمَّ لَمْ يُحَدَّ حَتَّى وَاقَعَ مَا ذَكَرْنَا , فَلَمْ يُوجِبُوا عَلَيْهِ إِلاَّ حَدًّا وَاحِدًا , مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ : إنْ أَفْطَرَ عَامِدًا فَوَطِئَ أَيَّامًا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَنَّ عَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةً وَمَنْ حَلَفَ أَيْمَانًا كَثِيرَةً عَلَى أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ : إنْ ظَاهَرَ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً فَإِنَّ لِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةً وَقَوْلُهُمْ كُلُّهُمْ : إنَّ مَنْ أَصَابَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صُيُودًا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ صَيْدٍ جَزَاءٌ بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّهُ لَوْ أَصَابَ صَيْدًا وَاحِدًا وَهُوَ قَارِنٌ فَعَلَيْهِ جَزَاءَانِ. فَإِنْ ادَّعَوْا فِي كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ إجْمَاعًا : ظَهَرَ جَهْلُ مَنْ ادَّعَى ذَلِكَ , أَوْ كَذِبُهُ , لأََنَّ زُفَرَ بْنَ الْهُذَيْلِ وَغَيْرَهُ مِنْهُمْ يَرَى أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ بِوَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ جَمِيعَ أَيَّامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَمْ يُكَفِّرْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لأََنَّ الْمَحْفُوظَ عَنْهُ أَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ كُلَّهُ صَوْمٌ وَاحِدٌ , مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْهُ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ جَمِيعِهِ يَقْضِي شَهْرًا , وَلاَ بُدَّ , وَمَنْ أَفْطَرَهُ كُلَّهُ فَعَلَيْهِ شَهْرٌ وَاحِدٌ أَيْضًا ، وَلاَ مَزِيدَ.
|